في كتابه إدارة العمل الإغاثي والإنساني افتتح مُؤلِّفه الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر دراسته بالتَّأكيد على أنَّ العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ يُعْتَبَر أحد مَعَالَم تميُّز المُجْتَمَعَات؛ نظرًا لما يقوم به هذا العَمَل من تقديم الخِدْمَات الإغَاثِيَّة للمَنْكُوبِينَ، مرورًا بالإنفاق على التَّعْلِيم والصِّحَّة، وتقديم الخِدْمَات الاجْتِمَاعِيَّة لرعاية كبار السِّنّ، واليتامى، والمُشَرَّدِينَ، وانطلاقًا من دَوْر هذه الخِدْمَات في استقرار المُجْتَمَعَات تَتَعَدَّد الدِّرَاسَات المُؤَطِّرَة للعَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ وضُرُوبه المختلفة، ليكون انطلاقه على أساس عِلْمِيّ يستشرف آفاقه، ويحلِّل أبعاده، إيجابًا وسلبًا، هذا على صعيد العَمَل الإنْسَانِيّ العَالَمِيّ، أَمَّا على الصعيد العَرَبِيّ فإنَّ ثمَّة غيابًا لافتًا للدِّرَاسَات العِلْمِيَّة المُتَعَلِّقَة بالعَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ، والَّتِي تؤصِّل لهذا العَمَل، وتشرح جوانبه المختلفة، وعوائق تَطَوُّرِهِ، والمشكلات المُتَعَدِّدَة الَّتِي تقف في طريقه، وعلاقة العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ بالتَّنْمِيَة المُجتمَعِيَّة ونحو ذلك من قضايا ومناقشات.
في كتابه إدارة العمل الإغاثي والإنساني يُؤكِّد مُؤلِّفه الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر أن هذه الدِّرَاسَة جاءت في وقتٍ تزايدت فيه الكوارث الإنْسَانِيَّة الكبيرة الَّتِي تَجْتَاح العَالَم بشكلٍ عامّ، والمنطقة العَرَبِيَّة والإسْلَامِيَّة بشكلٍ خَاصّ منذ عدَّة سنواتٍ، وتبرز أهَمِّيَّتهَا خصوصًا في أنَّها تُقدِّم سَنَدًا معرفيًّا ونظريًّا لفائدة المُهتَمِّينَ والباحثين في هذا المجال، وكذا المحتاجين لمثل هذه الأعمال الإنْسَانِيَّة في كَافَّة المناطق المنكوبة الَّتِي تحتاج لإغَاثَة إنْسَانِيَّة عاجلة.
سعى الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر إلى إلقاء الضَّوْء على مفهوم العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ، بإطاره المُؤَسَّسِيّ، والَّذِي يَتَضَمَّن الخِدْمَات الإغَاثِيَّة والإنْسَانِيَّة الَّتِي تُقَدِّمها مُخْتَلَف المُنَظَّمَات الإغَاثِيَّة والإنْسَانِيَّة المَحَلِّيَّة والإقْلِيمِيَّة والدَّوْلِيَّة، فالإطار المُؤَسَّسِيّ للعَمَل الإنْسَانِيّ هو الإطار الفَعَّال، ففي واقعنا الحَالِيّ تنخفض فَاعِلِيَّة العَمَل الفَرْدِيّ خَاصَّةً مع اشتداد وتَعَاظُم الكوارث الطَّبِيعِيَّة والبَشَرِيَّة، وفي ظِلّ التزايد المطَّرِد في أعداد المُتَضَرِّرِينَ تظهر أهَمِّيَّة العَمَل المُؤَسَّسِيّ المُنَظَّم القَادِر على النُّهُوض بأعباء هذه المهامّ المُلْقَاة على عَاتِق المُنَظَّمَات الإغَاثِيَّة والإنْسَانِيَّة.
تناول مُؤلِّفه الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر مراحل التَّطَوُّر التَّاريخِيّ للعَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ خلال العُصُور المختلفة، والحضارات المُتَلَاحِقَة، وُصُولًا للمفهوم الحَالِيّ، مشيرًا إلى أنَّ العَمَل الإغاثي ليس وليدَ اليوم ولا لحظة مُحَدَّدَة ولا استجابةً لحَدَثٍ ما، فلم تشهد حضارةٌ ما غيابَ هذا المفهوم، مع اختلاف وسائل وسُبُل القيام به، فغَالِبِيَّة الحضارات القديمة اعتمدت على دُورِ العبادة والمعابد في تقديم الخِدْمَات الإنْسَانِيَّة للمُحْتَاجِينَ، مرورًا بالظهور المُؤَسَّسِيّ له في منتصف القرن التَّاسِع عشَر، والتَّطَوُّرات المُتَسَارِعَة الَّتِي صَاحَبَتْهُ بعدَ الحرب العَالَمِيَّة الثانية، كنتيجةٍ حتميَّة لتزايد ضحايا الصِّرَاعَات والنِّزَاعَات، والكَوَارِث الطَّبِيعِيَّة النَّاجِمَة عن التَّغَيُّرَات المُنَاخِيَة العَالَمِيَّة.
استعرض الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر مصادر التَّمْوِيل الَّتِي تعتمد عليها المُنَظَّمَات الإغَاثِيَّة والإنْسَانِيَّة لتغطية أنشطتها ومشاريعها وخِدْمَاتها، مُتَطَرِّقًا للمصادر الإسلاميَّة في التَّمْوِيل الَّتِي سَنَّهَا وشَرَعَهَا الإسلام والَّتِي ما تزال مُعْتَمَدَة في عصرنا الحَالِيّ، وتُلْقِي الدِّرَاسَة الضَّوْء على المَصَاعِب والعَقَبَات التَّمْوِيلية الَّتِي تعاني منها غَالِبِيَّة المُنَظَّمَات الإنْسَانِيَّة في العالَم، فالتَّمْوِيل هو عَصَب العَمَل الإنْسَانِيّ، وغياب أو قُصُور هذا التَّمْوِيل سيقود لا محالةَ لتَرَاجُع فَاعِلِيَّة هذا العَمَل.
قَدَّم الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر تأصيلًا فِقْهِيًّا للعَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ؛ من خلال بيان موقف الإسلام من العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ، والَّذِي جاء في القرآن الكريم والسُّنَّة بِصِيَغٍ شتَّى، بعضها أمرٌ به أو ترغيبٌ فيه، وبعضها نَهْيٌ عن ضدِّه أو تحذير منه. والإنساني .
وأشار الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر إلى أهداف العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ؛ من خلال التَّعَرُّف على آثار تفعيل العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ في المُجْتَمَعَات ودورها في تحقيق التَّنْمِيَة والأمن للمجتمع، فالدَّوْل لا تَتَمَكَّن دائمًا من سدّ احتياجات أفراد المُجْتَمَع والاستجابة لهم في الوقت المناسب، وهو ما يُبْرِزُ دور مُنَظَّمَات العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ، لما تَتَمَيَّز به من مرونة وفَاعِلِيَّة وقدرة على الحركة والعَمَل في أصعب الظروف وأشَدّ الأوقات.
شدَّد الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر على أهَمِّيَّة العَمَل الإنْسَانِيّ الَّتِي تَكْمُنُ في كونه تعبيرًا مُهِمًّا عن حيويَّة المُجْتَمَعَات الإنْسَانِيَّة ومدى تقدُّمها؛ حيث يُنْظَر إلى التَّقَدُّم الإنْسَانِيّ للمُجْتَمَعَات بمعيار حجم المُنَظَّمَات الإنْسَانِيَّة وأعداد العَامِلِينَ بها؛ كما تُطَوِّفُ الدِّرَاسَة على أهَمِّيَّة أدوار الفاعلين الرئيسيِّينَ في مجال نشر العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ والحَثّ عليه؛ وخَاصَّةً وسائل ووسائط الإعلام والمُؤَسَّسَات والاجْتِمَاعِيَّة والتَّعْلِيميَّة المختلفة ذات الدَّوْر الحَيَوِيّ في جَذْب الشَّبَاب باتِّجاه مسالك العَمَل الخيري. إضافةً إلى تكوين شَرَاكات قَوِيَّة بين قطاع العَمَل الإنْسَانِيّ والمُؤَسَّسَات الإعلاميَّة لتحقيق أهداف تلك المُؤَسَّسَات وبرامج عملها وأنشطتها، استنادًا إلى العلاقة الإيجابيَّة والتكامل في الدَّوْر المُجتَمَعِيّ لكلا الطَّرَفَيْن، ونشر الرَّسَائِل الإعْلامِيَّة الَّتِي توفِّر المعلومات الصحيحة حول العَمَل الإنْسَانِيّ وأهَمِّيّته، إضافةً إلى تنفيذ برامج وأنشطة مشتركة لتدريب كوادر المُنَظَّمَات الإنْسَانِيَّة، ونشر ثقافة العَمَل الإنْسَانِيّ في المجتمع.
وتناول مجالات العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ المختلفة، مثل إغَاثَة المَنْكُوبِينَ، وإيواء المُشَرَّدِينَ، وإنقاذ المحاصَرين، وإنشاء المستشفيات والمراكز الطِّبِّيَّة، وبناء المدارس وبرامج مَحْوِ الأُمِّيَّة، ورعاية المساجد والهيئات الإنْسَانِيَّة، وتنظيم زيارات السُّجُون والإصلاحيَّات الاجْتِمَاعِيَّة، وإقامة جلسات الإرشاد والنُّصْح الاجْتِمَاعِيّ، وإلقاء المحاضرات والمشارَكَة في الندوات، وتقديم الاستشارات القانُونِيَّة والطِّبِّيَّة وغيرها من المجالات.
لم يُغْفِل مُؤلِّفه الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر الحديث باستفاضة عن أخلاقيَّات وآداب العَمَل الإغَاثِيّ والإنْسَانِيّ؛ فسعى إلى جَمْعها والتَّأكِيد عليها، مثل الإخلاص والرَّحْمَة بالمستفيد، والبُعْد عن المنّ على المستفيد، مع الحرص على النَّزَاهَة والأمانة، وحِفْظ كرامة المستفيد واحترامه، والموضوعيَّة في توزيع المعونات دون تمييز، والاحترام واللَّبَاقَة وحُسْن السَّمْت، وتنمية المِصْدَاقِيَّة والثِّقَة لدى المُتَبَرِّع وذوي الحاجة، وتتبُّع احتياجات المستفيد، وعدم الاقتصار على ما يَظْهَر من حاجته.
أشار الدكتور يَحْيَى السَّيِّد عُمَر إلى ضرورة تقديم المُسَاعَدَات وتوفير المعاملة الإنْسَانِيَّة لجميع الضحايا دون أيّ تمييز ضارّ على أساس العِرْق، أو الدِّيَانَة، أو الرَّأْي السِّيَاسِيّ، أو الانتماء إلى طَرَفٍ أو آخر من الأطراف في نزاعٍ مسلَّح. كما يجب مَنْحُ الأولويَّة لأولئك الَّذِينَ يحتاجونها أكثر عند توفير المساعدة؛ ويقتضي هذا المبدأ ألَّا يُقدَّم العَمَل الإنْسَانِيّ على أساس المساواة فحسب، بل على أساسِ العدل أيضًا، اعتمادًا على الْعَوَز وحجم الحاجات المُحَدَّدَة للأفراد والسُّكَّان المحتاجين والمُتَضَرِّرِينَ؛ بحيث يُؤْذَن للعَامِلِينَ في المجال الإنْسَانِيّ بالتصرُّف بطريقة تَمْييزِيَّة، مُعتَمِدًا ذلك على أهَمِّيَّة الحاجات وضروراتها المُلِحَّة.
لتحميل الكتاب وقراءته عبر الرابط التالي